استخدام الطاقة البديلة في العالم العربي خيار استراتيجي

أكد خبراء ومسؤولون أهمية الطاقة، كونها المحرك الرئيس للنمو الاقتصادي، ومن دونها لن تكون هناك تنمية أو نمو اقتصادي، مشيرين إلى أن الطاقة المتجددة لاتزال تتمتع بجدوى مطلقة، حتى في ظل الأوضاع الصعبة التي يشهدها العالم اليوم، وأن كل من يمتلك القدرة على استشراف آفاق المستقبل يمكنه أن يرى الكثير من المؤشرات على أن قطاع «الطاقة المتجددة» ينطوي على جدوى وأهمية كبيرتين على المدى البعيد.

ودعوا خلال فعاليات «المؤتمر الدولي للطاقات الجديدة والمتجددة» في سوريا، والتي انطلقت أول من أمس، بمشاركة عدد من الباحثين والجامعات والمؤسسات العلمية المحلية والعربية والعالمية المتخصصة، إلى ضرورة بناء القدرات العلمية اللازمة لاستيعاب التقنيات ذات الصلة بالطاقات المتجددة بجميع أطيافها، وزيادة الاهتمام بالبحث العلمي في جميع المجالات المتعلقة بهذه الطاقات، وبما يضمن التنسيق والتكامل بين مؤسسات الدول الخدمية والتعليمية والبحثية والصناعية، لتوفير البيئة المناسبة لاستخدام الطاقة المتجددة في جميع المرافق.

مساحات شاسعة

ركزت جلسات العمل على كيفية استخدام الطاقة الشمسية المركزة لإنتاج الماء والكهرباء والغذاء من خلال الاستفادة من المساحات الشاسعة المتواجدة في صحارى الوطن العربي والحزام الشمسي الهائل فيه والاستفادة من تحويل الطاقة الحرارية الشمسية للإنتاج الكهربائي واستثمارها في استخراج الماء وتحليته إلى جانب إقامة مشاريع زراعية تنموية تدعم اقتصادات المنطقة العربية بأكملها.

وأشارت أوراق العمل التي قدمها خبراء من مراكز أبحاث ألمانيا وصربيا والجزائر والسعودية والأردن، إلى أن تحقيق التكامل في مصادر الطاقة المتجددة بإمكانه ضمان التزود بالطاقة للكثير من البلدان وسكانها، كما أنه يسهم في تزويد باقي الأماكن في العالم باحتياجات ومتطلبات الطاقة الضرورية، داعين إلى ضرورة العمل وبذل الجهود الممكنة من قبل الجميع لضمان مصادر الطاقة في المستقبل، لأن العالم مازال يملك القدرة والخيارات المتعددة في الوقت الحالي لتحقيق هذا الهدف.

التكلفة والبيئة

وناقش المشاركون إمكانية التزود بالطاقة من خلال المضخات الحرارية التي تعمل وفق مبدأ بسيط، والتي يمكن الحصول على مصادر لها من المياه الجوفية والطاقة الشمسية ومياه الأنهار، ومن ثم تستخدم بعمليات التدفئة والتبريد في الأبنية، إضافة إلى عرض طرق استخدام الطاقة الشمسية في التطبيقات المنزلية والكهربائية، وضرورة التوجه لاستخدام الطاقة الشمسية لتسخين المياه وإنتاج الكهرباء، لأنه سيقلل من الانبعاث المتوقع لثاني أوكسيد الكربون بالجو، وبالتالي يقلل التكلفة ويحافظ على البيئة.

وتحدثوا عن الطرق المتاحة للاستخدام الأمثل لنظام تخزين الطاقة الشمسية خلال عملية تسخين المياه أو التبريد في الأبنية، لأنه من الضروري اتباع طرق وأنظمة جديدة أفضل لإدارة الطاقة الحرارية، خصوصاً عملية تخزينها، وذلك بناء على دراسات علمية أجريت في هذا المجال بهدف تحقيق توازن ما بين أنظمة جمع وتخزين الطاقة الشمسية.

ولفتوا إلى أهمية تأمين مصادر إضافية للتزود بمياه الشرب، المسألة التي تعتبر مهمة وخطيرة في الوقت نفسه، باعتبارها أكبر تحدٍ يواجه عالمنا اليوم في وقت يتزايد فيه الطلب على مياه الشرب وتتناقص مصادر الحصول عليه في مختلف أرجاء العالم، حيث تتوجه أنظار الجميع لإيجاد حل لهذه المشكلة من خلال تحلية مياه البحر عبر عملية التقطير الشمسي باعتبارها سهلة وقليلة التكاليف وتسهم في تطوير مصادر الطاقة الجديدة، إضافة إلى أنها تؤمن أحد المصادر البديلة لضمان حياة الإنسان.

مفتاح رئيس

كما أشاروا إلى أن الطاقة ومصادرها مجال مهم وحيوي، لأنها تتيح إيجاد حلول بديلة للمشكلات التي يعاني منها الإنسان مثل نقص المياه والبيئة والمناخ، لافتين إلى أن مصادر الطاقة المتجددة تعتبر المفتاح الرئيس لخلق مستقبل للطاقة النظيفة والآمنة للعالم كله، والتي تشمل الرياح والطاقة الشمسية والوقود الحيوي، لاسيما أن الرياح والطاقة الشمسية حققتا قبولاً وتنافساً على الساحة التجارية لتوافقهما وتلاؤمهما مع مصادر الطاقة العادية المتواجدة والمتوافرة في كثير من دول العالم.

جدوى مطلقة

وأشار الدكتور غياث بركات وزير التعليم العالي السوري، إلى أهمية موضوع الطاقة بشكل عام والطاقات الجديدة والمتجددة بشكل خاص لكون الطاقة هي المحرك الرئيس للنمو الاقتصادي ومن دونها لن تكون هناك تنمية أو نمو اقتصادي، لافتاً إلى أن سوريا تعمل على تطوير واستخدام مصادر الطاقة المتجددة مع حرصها على الالتزام بالقضايا البيئية، الأمر الذي من شأنه أن يعزز الثقة في استدامة الطاقة المتجددة على المدى الطويل ويسهم في تعزيز النمو الاقتصادي.

وقال إن الطاقة المتجددة لاتزال تتمتع بجدوى مطلقة حتى في ظل الأوضاع الصعبة التي يشهدها العالم اليوم وإن كل من يمتلك القدرة على استشراف آفاق المستقبل يمكنه أن يرى الكثير من المؤشرات على أن قطاع «الطاقة المتجددة» ينطوي على جدوى وأهمية كبيرتين على المدى البعيد.

وأضاف «إن الطريق لإيجاد مصادر بديلة للطاقة مازال طويلاً، علماً بأن استفادتنا من الطاقة المتجددة في سوريا لاتزال في بداياتها إلا أن طموحاتنا أكبر من ذلك، إذ نتطلع إلى فتح آفاق جديدة لتفعيل دور هذه الطاقات التي أصبحت خياراً استراتيجياً لا مفر منه، فعلينا تقع مسؤولية تزويد الأجيال المقبلة باحتياجاتها من الطاقة ومواجهة التحديات الناجمة عن نضوب مصادر النفط والطاقة الهيدروكربونية والتغير المناخي.

وأشار بركات إلى ضرورة بناء القدرات العلمية اللازمة لاستيعاب التقنيات ذات الصلة بالطاقات المتجددة بجميع أطيافها وزيادة الاهتمام بالبحث العلمي في جميع المجالات المتعلقة بهذه الطاقات، وبما يضمن التنسيق والتكامل بين مؤسسات الدولة الخدمية والتعليمية والبحثية والصناعية لتوفير البيئة المناسبة لاستخدام الطاقة المتجددة في جميع مرافق الدولة.

منظومة التعليم

وأوضح أن منظومة التعليم العالي قطعت أشواطاً بعيدة في إعداد البرامج التعليمية التخصصية والبحثية حول الطاقات المتجددة، وفي جميع المستويات بهدف تهيئة العلماء والمهندسين والفنيين لهذه الصناعة المستقبلية، إذ تم افتتاح برامج كثيرة في الطاقات المتجددة للمرحلة الجامعية في كليات الهندسة الكهربائية والميكانيكية، والهندسة التقنية، وكذلك في المعاهد المتوسطة، وافتتاح برامج للدراسات العليا لمرحلتي الماجستير والدكتوراه للتخصصات ذاتها في هذه الكليات.

إحداث مراكز تميز بحثية وتدريبية في مجال الطاقات المتجددة في الجامعات السورية.

وقال وزير التعليم العالي السوري إنه تم أيضاً إحداث مراكز تميز بحثية وتدريبية في مجال الطاقات المتجددة في جامعات دمشق، وحلب، وتشرين، والبعث، وتشكيل الكثير من الوحدات البحثية العاملة في مجال الطاقات المتجددة، وهيأت لها البيئة التمكينية اللازمة من صناديق تمويل ومخابر بحثية وشبكات معلومات ومكتبات إلكترونية، وأقيمت روابط للتعاون مع الجامعات والمؤسسات العلمية الأوروبية عبر برامج التعاون المختلفة، إضافة لإطلاق البرامج البحثية المشتركة مع الكثير من البلدان، وربط الأبحاث العلمية بالصناعة والتطبيقات العملية لها، متخذة من الطاقات المتجددة مجالاً ذا أولوية استراتيجية وتطوير الخطط التدريسية الجامعية والعليا والمناهج الخاصة بالطاقة الكهربائية المولدة بمصادر الطاقة المتجددة والتنمية المستدامة.

من جانبه، أكد الدكتور سليمان سليمان، رئيس اللجنة العلمية للمؤتمر، أهمية المؤتمر الذي يجمع الكثير من المؤسسات الأكاديمية المتجددة والتي تطرح أبحاثاً مهمة ومتطورة على صعيد توفير وترشيد الطاقة والتطبيقات العملية لاستخدامات الطاقات المتجددة في الحياة اليومية للمساهمة في نقل وتوطين وتطوير الطاقة بما يخدم تأمين مصادر الطاقة النظيفة.

بدوره، قال الدكتور خالد يزبك، رئيس اللجنة التنظيمية للمؤتمر، إن عدد الأوراق العلمية التي تم تقديمها لطلب المشاركة في المؤتمر بلغ 416 ورقة، قبل منها 110 أوراق من قبل لجنة علمية مكونة من علماء وباحثين مختصين من دول عدة، لافتاً إلى الاهتمام الدولي بهذه الطاقات الذي أثمر عن إنشاء وكالة للطاقة المتجددة (آرينا)، وتأسيس المجلس العالمي للطاقة المتجددة للتشجيع على استثمار هذه الطاقة وتوفير الخبرة للتطبيقات والسياسات والوصول إلى حلول عملية واتفاقات مشتركة على نطاق دولي.

معدلات وطرائق

من جانبه، أكد الدكتور وايل خنسة، مدير المعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا، أهمية العمل على موضوع الطاقات الجديدة والمتجددة، لأن الطلب على الطاقة يتزايد بمعدلات عالية، والطرائق الكلاسيكية لإنتاجها تقوم على مواد تسير في طريقها إلى النضوب، فضلاً عن أن مخلفات إنتاجها تترك آثاراً على الطبيعة من الصعوبة بمكان معالجتها، موضحاً أن مصادر بعض أنواع الطاقات المتجددة متوافرة بكثرة في سوريا، ما يجعل من دراستها ودراسة طرائق استثمارها أمراً ذا مردود عالٍ.

وتم على هامش المؤتمر افتتاح معرض تضمن أهم تقنيات وتطبيقات الطاقة المتجددة وأنظمة الطاقة الشمسية وأجهزة استثمار طاقة الرياح والطاقة الشمسية في عدد من المجالات الحياتية وتجهيزات إنتاج الطاقة الكهربائية بالاستفادة من الخبرة التركية والفرنسية والألمانية في هذا المجال.

إلى ذلك، أكد الدكتور فؤاد الجوني وزير الصناعة السوري، أهمية وجود الطاقات المتجددة وضرورة دعمها لأن سوريا بحاجة لذلك نتيجة للنقص الحاصل في الطاقة وازدياد الطلب عليها، مشيراً إلى أن المعرض والمؤتمر سيتيحان الفرصة للتعرف إلى آخر ما توصل إليه العلم والتكنولوجيا في العالم في مجالات استخدام الطاقة المتجددة.

سوريا تستثمر في الطاقة المتجددة

قال الدكتور أحمد قصي كيالي، وزير الكهرباء السوري، إن هناك مشاريع مشتركة بين القطاعين العام والخاص في مجال استثمار الطاقات المتجددة، حيث تم طرح مشروعين كبيرين لاستثمار طاقة الرياح في حمص قطينة، وآخر في غباغب قرب دمشق، بينما هناك مشروع لاستثمار الطاقة الشمسية في محطة دير علي قرب دمشق، مشيراً إلى وجود 19 من هواضم المواد العضوية أقامها المركز الوطني لبحوث الطاقة بالسويداء لإنتاج الطاقة من البقايا العضوية.

ويناقش المؤتمر الذي يستمر أربعة أيام 110 أوراق علمية حول آخر ما توصلت إليه الأبحاث في مجال استخدام مصادر الطاقات البديلة للوقود التقليدي كخيار استراتيجي أكثر ملاءمة للحفاظ على البيئة، ويركز على مجالات تتعلق بمنابع الطاقة النظيفة والتحويل الحراري للطاقة الشمسية والتحويل الكهرضوئي للطاقة الشمسية وطاقة الرياح وخلايا الوقود والهيدروجين إلى جانب طاقة الكتلة الحيوية والتقنية الحيوية.